ماذا تخبئ موسكو؟ حقائق تكشف موقف "الدب" من القدس
16/12/2017 07:58 م
رانيا قناويحالة من الجدل تنتاب الموقف الروسي من نقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف، في الوقت الذي كان ينتظر العرب ردا روسيا قويا على الموقف الأمريكي، على الأقل نكاية في الموقف الأمريكي في ظل الصراع بين الجانبين، إلا أن موقف الكرملين لم يتعد تأكيد ضرورة الالتزام بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، ووصف القرار الأمريكي بالمخالف للمنطق السليم.
والمتابع للإعلام الروسي، يجد مسارعة عدد من وسائل الإعلام هناك، باركت قرار ترامب والإعراب عن دعمه، حيث اعتبرت صحيفة "نوفايا جازيتا" في إحدى مقالاتها، أن نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس لحظة تاريخية مهمة، وكان ينبغي أن تحدث في وقت ما، مشيرة إلى أنه إذا كان وضع القدس لا يؤثر في عملية استعادة السلام لأنه ثابت في الواقع، فربما يكون تغيير وضع القدس سيساعد هذه العملية وسيجعل الفلسطينيين يكفون عن ممارسة إدانة إسرائيل في أعين المجتمع الدولي.
كما أشارت القناة التلفزيونية الأولى الروسية إلى أن إدارة ترامب تحاول الوصول إلى حل لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، غير أن السلطة الفلسطينية لا تريد ذلك، لتواصل مراكمة الثروات من الدعم المالي الذي تتلقاه، وهي تواصل وضع العراقيل أمام عجلة السلام للحفاظ على ما وصفته بـ"البزنس المربح" للفلسطينيين.
كما ركز الإعلام الروسي في تغطية انتفاضة الغضب تجاه قرارات القدس، على رد الفعل الصهيوني الذي وصفته بالمنضبط، رغم عدد الشهداء الذين سقطوا والمصابين خلال أسبوعين من القرار، وهو ما عكس تعاطف وسائل الإعلام الروسية مع إسرائيل ووجهة نظرها وتأويلها للمعطيات، وسعيها لقراءة سياسات الكرملين غير المعلنة وفق وجهة نظرها.
روسيا صديقة إسرائيل
ونشر موقع "ساسة بوست" تقريرا، اليوم السبت، أكد فيه أن روسيا تعرف بأنها صديقة حميمة لإسرائيل، كما أن روسيا يعيش فيها ملايين اليهود من ذوي الأصول الروسية والسوفيتية.
وظهر عمق العلاقات بين الدولتين، أثناء التدخل الروسي في الأزمة السورية، إذ بقي المجال متاحًا أمام الطيران الإسرائيلي لخرق الأجواء وقصف المنشآت السورية، في حين ضمنت موسكو منطقة آمنة على الحدود السورية الإسرائيلية.
وأوضح التقرير أن الموقف الروسي الحقيقي، يختلف عن فهم وسائل الإعلام الروسية له، ففي العلن، يرفض الكرملين تهويد القدس بكاملها وإعلانها عاصمة لإسرائيل، وهذا بالتأكيد يخدم مساعي روسيا لكسب ثقة شعوب الشرق الأوسط، وهو أيضًا فرصة جديدة، تسمح لموسكو بأن تستعرض مجددًا التزامها بأحرف القانون الدولي، الذي نجحت خلال السنوات القليلة الماضية في امتطائه لتبرير خطواتها وتمرير مبادراتها في سوريا.
في حين يأتي موقف موسكو الحقيقي من مدينة القدس ووضعها الحالي والمستقبلي، فهو مغاير لما أُعلن عنه، في التصريحات الرسمية، غير أن أوساطـًا روسية مقربة من الكرملين ومن المرجعيات الدينية تدركه، وتدرك حساسية الأمر وضرورة الإبقاء على الآراء والمخططات غير معلنة.
وأشار التقرير إلى آراء المرجعيات الدينية الروسية وتصريحاتها، حيث انقسم المجتمع الديني اليهودي الروسي بين مؤيد ورافض للقرار. إذ اختلفت آراء حاخامي روسيا الرئيسيين. حيث يوجد في روسيا حاخامان رئيسيان، عن «اتحاد المجتمعات اليهودية في روسيا»، وعن «مؤتمر الطوائف والمنظمات الدينية اليهودية الروسية».
كما نوهت لتصريح بيرل لازار، كبير حاخامات روسيا وفق «اتحاد المجتمعات اليهودية في روسيا» «وهو إيطالي المواد، وأقام لفترة طويلة من حياته في الولايات المتحدة»، حيث سارع إلى مباركة إعلان ترامب، مؤكدًا أن «إعلان دونالد ترامب هو استعادة للعدالة. تقريبًا في كل وقت وجدت فيه دول في هذه المنطقة لليهود، كانت القدس عاصمتها».
صمت في الكنيسة
في الوقت الذي التزمت فيه الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الصمت تجاه إعلان ترامب، ولم يصدر عنها أي رد إن كان بالرفض أو الدعم، ما يعكس وعي أكثر السلطات الدينية نفوذًا في روسيا، بسياسات الكرملين، بل يؤكد التوافق غير المعلن، إذ أن الكنيسة في روسيا لها يد طائلة في العقيدة السياسية الروسية الحديثة، ومواقف روسيا وتحركاتها تعكس تكاملًا عضويًّا بين الكرملين والكنيسة، تأكد بسماح الكنيسة بجلوس الرئيس فلاديمير بوتين على عرش الإمبراطورية البيزنطية على جبل أثوس في اليونان.
وذكر أن المؤيدين لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، معظمهم من البروتستانت المحافظين جدًا وأتباع «الصهيونية المسيحية»، الذين يؤمنون بأن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة تعد شرطـًا ضروريًا لمجيء «المسيح المخلص»، وحلول نهاية العالم ومحاربة جحافل «يأجوج ومأجوج». أما الروس الأرثوذكس، فيؤمنون بأن مسيح البروتستانت المخلص، ليس سوى «المسيخ الدجال»، وظهوره بادرة لنهاية العالم، الأمر الذي لا يتحرقون شوقًا لاستعجاله.
وأشار إلى أن المعتقدات الدينية في روسيا تقف وراء صمت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي لا ترى في المسلمين أهلًا لامتلاك القدس وحمايتها، كما ترى أن وجود اليهود فيها تهديد بنهاية العالم، كما ينعكس هذا الموقف في تصريحات مرجعية المسلمين في روسيا، التي تطالب بمنح القدس وضعًا دوليًا، ما يعني انتزاعها من أيدي المسلمين العرب ومن مخالب اليهود.
وترتبط سياسات روسيا الحديثة بالكنيسة، وتتبنى المعتقد الأرثوذكسي المحافظ بديلًا عقائديًّا للشيوعية التي أثبتت فشلها، وللفكر الليبرالي الغربي، الذي تعده تهديدًا للهوية الروسية، وهو ما يكشف عن خطط روسيا مستقبلا لوضع مدينة القدس تحت الحماية الروسية الأرثوذكسية.
كما أن روسيا تسعى إلى الظهور بمظهر المدافع عن مسيحيي الشرق، ورغب الرئيس الروسي في تصدير هذه الصورة خلال لقائه مع بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق البابا يوحنا العاشر، كما أن نشاط روسيا في هذا الاتجاه، يتخذ منحى تصاعديًّا، إذ ركزت على هذا الدور الديني منذ بداية التدخل العسكري في سوريا، كما نظمت موسكو خلال العامين الماضيين، عشرات الفعاليات والمؤتمرات التي هدفت إلى حشد أوسع لهذا التوجه، بما في ذلك على المستوى الإقليمي.