الشعب أمام فاشية العسكر
بقلم: محمود إبراهيم صديق
عندما
تجد الجموع من أبناء الشعب ساخطة على قرار منع الفيلم الإباحي، وترقص على
أنغام تغني للدماء، ليس لجرأة متخذ القرار وإنما لعبث الدولة وشرفها
المجتمعي الذي تمرغه التراب دما، وتموت النخوة والرجولة في عروق الرجال
بدوافع السياسة، فلا تسألني عن الشعب العظيم.
فأنا
لا أدفن رأسي في التراب أمام الشعور بالفاشية المجتمعية عند قطاعات من
أبناء الشعب عندما تعلق أرواح 528 نفسا من المصريين لتزهق دون محاكمة ودون
شواهد.
أنت
أمام إسقاط الدولة المصرية وإعلان القضاء على رمزيتها في قضائها. إذا أردت
أن تهدر مجتمعا أو تسقط وطنا فعليك أن تغيب العدل فيه وتستدرجه لأن يقيم
هو أحكامه بنفسه.
إلى
أين نذهب؟ عندما يتوقف الزمن أمام أحداث لا يقبلها العقل البشري وعندما
تجد آلة الزمن نفسها أمام حاله تستوجبها الرجوع إلى مئات السنيين من عمر
التاريخ البشري. عندما يقف المؤرخون في حيرتهم ماذا يكتبون وكيف يسجلون
الحدث وبأي العبارات يعلقون.
فمنذ
الانقلاب العسكري لا يوجد حدث أو منجز يجدر بأن يسجله الرجال. فالتاريخ
يأبي أن تسجل فيه مهازل لا ترقى بحياة الشعوب. مصر في حكم الانقلاب العسكري
خرجت من منظومة ومدار العالم المتحضر الذي يحترم حقوق الانسان ويحفظ له
كرامته.
أتوقف كثيرا أمام الأحكام المجحفة التي تصدرها المحاكم المصرية بشأن الطلاب والحرائر من أبناء الأزهر الشريف وطلاب مصر.
فقط
عندما تسمع منطوق الحكم: "حكمت المحكمة" يتبعها الآن رقم بالسنين
والغرامات إذا كان من بالقفص أحد أبنائنا الطلاب، كما لا تلتفت كثيرا إلى
أحكام البراءة إن كان من في القفص أحد رجال مبارك أو قتلة الثوار.
لا
تطالبني أن أناشد القاضي أن يحكم بالعدل فلم يعد هؤلاء يسمعون. ولا تسالني
أن اذكرهم بقاضي السماء فهؤلاء يؤدون مهنة لا يوجدون عدلا بين الناس.
هذا
كله لأن الشعب أصبح لا شيء في بلاده وأصبح عددا يطرحه الجهاز المركزي
للإحصاء. دولة القمع والظلم لا تعتبر أن هناك وزنا للشعب العظيم الذي يصبح
ويمسي متمنيا رفعه بلاده.
توقفت لأني أريد أن أوجه حديثي مباشرة - لا إلى زبانية فرعون وجنوده فهؤلاء لن يعودوا - إنما إلى قطاعات عريضة من الشعب المصري، ليس لهم أي انتماء حزبي أو سياسي أو أيديولوجي يتبعون العسكر ويهللون لفاشيته في التعامل مع أبناء الوطن، تراهم ينظرون
بعين الشماتة والفرح والسعادة لما يحدث على أرض الوطن في مشهد تجرد فيه
كثير من المصريين من أبسط معاني الإنسانية والآدمية. فلم تعد صور البنات في
قفص الاتهام تستجدي نخوتهم ولا شرفهم ولم تعد مناظر الضرب والقمع وانتهاك
الحرمات تستنفر رجولتهم.
في
مشاهد لم يعتدها المصريون وعند نقاط موجعة كنا نظن أن حرمات النساء خط
أحمر لا يمكن تجاوزه، ولكن ثمة حقائق تكشفت عن أناس خلعوا مبادئهم
وإنسانيتهم. لكن لماذا طفح هذا على السطح ولماذا نجد عبيد الفرعون يغلقون
عقولهم أمام الضمير الإنساني؟ أمام حاله الانقسام المجتمعي واختفاء الثوابت
المجتمعية تجد أن قائد الانقلاب يمضي مسرعا في اتجاهه دون أن يكلف نفسه
بالنظر حوله.
أمام
مهاترات ما يسمى بالانتخابات الرئاسية ومسرحية ينتظرها المشاهدون في
العالم ليطلقوا ضحكات السخرية على الشعب العظيم، سيناريو امتلاك الدولة
واعلان تبعيتها لدوله الضباط واحتكار مقدراتها واقتصادها ومصادرة حريات
المصريين ما زال حبيس المطبخ السياسي لدوله العسكر.
وأمام
ما سيختاره الجيش للمصريين في مستقبلهم. فإن على المصريين أن ينتظروا في
مقاعد المشاهدين لسنوات طويلة يتابعون فيها قرارات الجنرالات، فقط اعتبرها
فصلاً من مسرحية هزلية يقف فيها مجموعه من الشخوص ليؤدوا ادوارا محدده في
مصر اللادولة واللاقانون واللاحريات، من أجل مصلحة الفرد الأوحد.
فقد عادت مصر إلى دولة الفرد، عندما تتحول البلاد إلى حالة من العبث ومحضنا للتجارب التي أدت إلى انهيار الدولة وفشلها. عندما
يفكر العسكر بفاشية وقمع واختزال للعقول، وذلك ما كشفته وحدة الأبحاث
التابعة لصحيفة "الإيكونيميست" البريطانية عن أحدث ترتيب لمستوى المعيشة،
والذي أظهر تراجع مصر للمستوى الأخير للمرة الأولى في تاريخها مقارنة بـ140
دولة على مستوى العالم.
إن
الفاشية التي تحكم الأمة المصرية الآن على حساب اضطهاد جماعي لأبناء الشعب
الذين يثورون ضدهم. لا تندهش، الفاشيون أنفسهم يأتون إلى الحكم دوما
بالقوة بعد اغتصاب السلطة والحكم واحداث كوارث في المجتمع أو انهيار
اقتصادي أو حتى يقفزون إلى الحكم بعد هزيمة عسكرية، حيث يكتسبون تأييدا
شعبيا لما يبذلونه من وعود بالنصر وإنعاش الاقتصاد والاستقرار واسترداد
كرامة البلاد وهيبتها وقوتها وحدث ذلك في النسخة الأولى من حكم العسكر لمصر
في القرن الماضي. دوما ما يجيدون الأداء على الأوتار الشعبية للبسطاء
والمهمشين حتى يسيطروا على الحياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
تستطيع
أن تبسط نفوذا فاشيا في المجتمع وتستطيع أن تنشأ مجتمعا شاذا ايضا يفرح
ويطرب لسفك الدماء وانتهاك الحرمات والتشفي في الخصوم السياسيين بأن تغير
مبادئ وأفكار الرأي العام وأن تصل إلى السواد الأعظم من المجتمع ليس
بالضرورة لتدفعه أن يتحرك مع الحاكم.
فقد
تحقق مكسبا أيضا إذا حيدت هذا القطاع عن أن يفكر في معاني الشرف والحرية
وإن كانت الحالة المصرية هي الأسوأ؛ لأن معظم التيارات المدنية والنخبة
الهشة انجرفت في تيار صناعه الفاشية.
هذا
ليس مستحيلا أن تعيد برمجة العقول إن تخلت النخبة التي تقود الرأي العام
وتوجهه، فتستطيع أن تخلق حاله فاشية في الشعب في مدة شهور تحت تأثير وسائل
الاعلام. وقد نجحت نماذج عديدة في العالم في احداث صدمات للشعوب تأتي على
إثرها حاله القبول لاغتصاب الدولة سواء من الخارج أو الداخل كما حدث أن
وافقت الجماهير في العراق على الحرب عام 2003، لذا لا تندهش من شعور أبناء
الشعب أمام ما يحدث من أحكام وقتل وتعذيب وانتهاك حرمات لا تحرك فيهم
ساكنا. ايضا لا تبكي على حال ابناء الوطن فهم يعلمون أن 18 مليار جنيه قد
سرقت من قوتهم ولم يتحركوا. ولا أحد يجيب؛ لأن الشعب باختصار لم يعد وزنا
في المعادلة السياسية. فمجزرة رابعة والنهضة تعتبر أبشع مجزرة في تاريخ مصر
الحديث، وحدثت على مرأى ومسمع من الجميع، ومع ذلك فأعداد المصفقين لها
أكبر من أعداد المستنكرين لها. فلا تندهش من شعب بات يرقص على الدماء. فأنا
لا أدفن رأسي في التراب.
أمام استمرار الحالة الفاشية في المجتمع والرقص
على جثث الشهداء والضحكات أمام أنات المصابين. غدا في مصر سوف يتحول
المواطن مهما كانت درجته العلمية وقيمته في المجتمع إلى عامل لدى الأمن
منفذا لإرادة النظام القمعي متأثرا بوهم الفاشية في أنه يقدم عملا جليلا
لإرضاء الفرعون، ويصبح لكل مواطن سيد يتحكم فيه وفي إرادته في حين أن حقوقه
تسحق وكرامته تهدر ونرى ذلك الآن في الوقت الذي يطالب فيه الاطباء بحياة
كريمة ويطالب فيه البسطاء من سائقي النقل وغيرهم فقط بحق الحياة. لا يسمع
لا لهذا ولا لذاك، فهم من العدد الذي تؤدي محصلته إلى الصفر.
يحدث
هذا السلب للإرادة والعقول تحت مباركة الآخرين وسعادتهم الغامرة، وعند هذا
الوقت علينا أن نودع مصر والمصريين لان القادم لن يكون ثورة شرف وكرامة ولن
يكون سلما اجتماعيا، وانما سوف تتحول البلاد إلى ثورة جياع تأكل الأخضر
واليابس وان لم نستفق جميعا ونفكر في مطالب الثوار وتتوقف الدولة عن القمع
فسوف نودع مصر لعشرات السنين، فلا تندهش إلى الاحكام القاسية ولا الحرب
العدائية من أجهزة الدولة على الشرفاء، فأنت أمام حكومة تحكم نفسها ودولة
لا أقول مغيب شعبها، إنما أبعد بشكل أو بآخر من المعادلة.
الكتلة
الصلبة التي تقف خلف قائد الانقلاب من أجل مصالحها ومن أجل أن تمتلك
مقدرات الدولة وممتلكاتها، من قبلوا أن يكونوا إمعات خلف قائد الانقلاب ولن
يكونوا أبدا رقما في المعادلة.
فأقول
إلى رؤوس الأفاعي وأحذية الطغاة من حثالة الإعلام وبغايا الأقلام وشواذ
الفكر السياسي، طفح الكيل وفاضت الظلمات. كفوا عن احتلال عقول البسطاء
وتعميق انقسام المجتمع والترويج واستحلال فاشية الحكم والاستهانة بالدماء
المصرية. غدا لن يرحمكم الشعب الذي سوف يثور جوعا في الطرقات والشوارع. مصر
تغرق أمام طموح مجنون يسير بها نحو الهاوية بلا تفكير.
تحاولون
القضاء على الثوابت وتحاربون كل طاهر وشريف. تباكيتم بدموع السباع
والتماسيح على المرآة وحقوقها، وها هي الآن النساء في السجون، حرمات تنتهك
ولا مكان للشرفاء في وطن لم يعد يفرح به ابنائه أن لم تستفيقوا فلن يرحمكم
الشعب الجائع غدا من حقارة أهدافكم.
الثورة تنتصر..
|
الأربعاء، 21 مايو 2014
الشعب أمام فاشية العسكر بقلم: محمود إبراهيم صديق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب
عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت تحذيرا من صواريخ باليستية أطلقت من لبنان على منطقة تل أبيب 14/10/2024|آخر تحديث: 14/10/20...
-
محمد العمدة يكتب: السيسي والعسكر ونهب مصر (5) تحقيق جمعة الشوال ...
-
تداول نشطاء قطريون معارضون لنظام تميم بن حمد بن خليفة أل ثانى صورة لقطريين يتناولون مثلجات عليها صورة "ت...
-
00 :00 00 :30 نشرة أخبار 00 :30 01 :00 نشرة أخبار 01 :00 01 :05 نشرة أخبار 01 :05 02 :00 أفلام وثائقية 02 :00 02 :30 نشرة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق