لماذا لم يعترف تقرير "تشيلكوت" البريطاني بأن غزو العراق "حرب صليبية"؟!
08/07/2016 08:42 م
"العناد والعقيدة المسيحية لتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، كانا وراء قراره غزو العراق في عام 2003".. هكذا قال السير "أنتوني سيلدون"، كاتب السيرة الذاتية لبلير وغيره، لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، مشيرا ضمنا إلى أحد أسباب مشاركة بلير وبوش في تدمير العراق.
السير سيلدون قال: إن "بلير أصبح مقتنعا في تلك الفترة بأن إزالة الرئيس العراقي حينها صدام حسين معركة بين الخير والشر"، ولكن ما قاله السير "سيلدون" كشفته قبل هذا بـ13 عاما تصريحات بلير وبوش الدينية، التي أعطت الحرب على العراق الصفة الدينية منذ البداية.
وأدان تقرير لجنة تشيلكوت الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة، وحدد بالتفصيل المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك بها والاستعدادات الناقصة التي تميزت بها عملية غزو العراق، ولكنه لم يذكر هذه الأسباب الدينية.
حرب دينية
بمجرد إعلان الرئيس الأسبق جورج بوش الأب عن عملية درع الصحراء ونقل القوات الأمريكية للخليج عام 1991، ألقى القس بيلي جراهام- أحد كبار مسؤولي تيار المسيحية الصهيونية -خطابا في مقر إقامته في ولاية مينيسوتا، قال فيه إن هذه الحرب في الخليج ستكون لها "تأثيرات روحية" هائلة على كل أمة وإنسان على وجه الأرض.
ثم تبع ذلك بإلقاء عدة محاضرات عامة، قال فيها: إن هناك "قوى روحية تعمل في الخليج لتحميس الجنود الأمريكان المترددين من تكرار تجربة فيتنام"، ثم أفصح جراهام أكثر عما يقصد فقال: إن "العراق له أهمية إنجيلية بالغة.. فهناك كانت جنات عدن الموطن الأول لآدم وحواء"، بحسب تعبيره.
وحتى يحمس جراهام الجنود والشعب الأمريكي أكثر للحرب ويوفر لهم الدافع الإيماني قال: إنه "لا يعرف إذا كانت هذه الإشارات- أي ما حدث على أرض العراق- هو تمهيد للقدوم الثاني للمسيح المنتظر أم لا"!.
أيضا قبل أن تبدأ حرب الخليج الفعلية لتحرير الكويت وضرب العراق عام 1991، أصدر بيلي جراهام بيانا جديدا تلاه على حشود من الأمريكيين في نيويورك، وكان مما قال فيه: إنه "إذا كانت هناك دولة يمكن أن نقول عنها إنها جزء من الأراضي المقدسة فهي العراق". وأضاف "يجب أن نضاعف صلواتنا، فالتاريخ أكمل دورته ونحن نعود مرة أخرى لهذه الأراضي".
ولشرح هذه التصريحات الغامضة، يجب إدراك أن غالبية الأمريكيين هم من المهاجرين البريطانيين من أنصار حركة الإصلاح البروتستانتي (الإنجيليين)، وهؤلاء يؤمنون بما يطلق عليه "العصر الألفي السعيد"، القائم على حتمية عودة المسيح المنتظر والدورة الكاملة للتاريخ التي سيعود من خلالها اليهود للأراضي المقدسة في القدس.
ولأن منفى اليهود الذي عادوا منه للقدس كما يزعمون كان "بابل"، فالبروتستانت الإنجيليين (الاصوليين الأمريكيين)، ومنهم بوش الأب والابن وجراهام وفالويل وما يسمي (التحالف المسيحي) الذي يضم قرابة 20 مليون أمريكي، ويعد داعما قويا للحزب الجمهوري، يؤمنون بأن العراق جزء من أراضي "الكتاب المقدس"؛ لأنها الموقع الجغرافي للبابليين السابقين، وأن عودة اليهود للقدس والسيطرة على بابل (العراق) علامات على اكتمال دورة التاريخ (الأيام الأخيرة) أو (نهاية العالم) كما يقول بيلي جراهام.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان- الذي يؤمن بنفس المعتقدات- كان كثير الحديث عن حبه للفقرة التوراتية الواردة في المزمار (137) والتي تبدأ بعبارة: "لقد جلسنا على أنهار بابل وأخذنا نبكى حين تذكرنا صهيون".
وعندما قدم بعض الصهاينة ترومان لبعض الحاضرين في المعهد اليهودي، ضمن احتفال بإنشاء الدول العبرية 1948، وقالوا عنه إنه الرجل الذي ساعد على خلق دولة إسرائيل، رد ترومان قائلا: ماذا تعنى بـ (خلق)؟ (إنني قورش .. إنني قورش) وكان يقصد بذلك تشبيه نفسه بالملك قورش الذي أعاد اليهود من منفاهم في بابل إلى القدس.
وقد اعتقد بعض المحللين الأمريكيين أن حرص بوش الأب على قضاء ليلة ما قبل الحرب الأولى مع العراق (لتحرير الكويت) عام 1991 مع هذا القس الإنجيلي بيلي جراهام هي محاولة لإقناع الرأي العام الأمريكي أنه، أي بوش، "أحد رجال الله"، ومن ثم محاولة كسب تأييد الأصوليين البروتستانت للحرب ودعمها.
بيد أن آخرين كتبوا يقولون إن قراءة جراهام للكتاب المقدس تختلف اختلافا تاما عن المعتقدات المسيحية للغرب وغالبية الأمريكيين، وأنه يستقى معتقداته من جذور عنصرية لمنظمة ماسونية يطلق عليها (الاتحاد البريطاني الإسرائيلي الدولي) وهي منظمة صهيونية.
ويؤمن أعضاء هذه المنظمة البريطانية الإسرائيلية بـ"النظرية الدائرية للتاريخ"، ويعتقدون وفقا لهذه النظرية أنه بعد 2520 سنة، فإن نوعية معينة من الأحداث ستتوالى وتتكرر بانتظام، ومنها عودة اليهود كلهم للقدس والسيطرة على أرض بابل.
ويؤمن أعضاء هذه المنظمة البريطانية الإسرائيلية بـ"النظرية الدائرية للتاريخ"، ويعتقدون وفقا لهذه النظرية أنه بعد 2520 سنة، فإن نوعية معينة من الأحداث ستتوالى وتتكرر بانتظام، ومنها عودة اليهود كلهم للقدس والسيطرة على أرض بابل.
حرب صليبية خامسة
وفي أجواء حرب العراق حينئذ، لم ينس مؤرخون أمريكان أن يكتبوا أنها "الحرب الصليبية الخامسة، مثل ما كتبه (هاورد تشو ايوان) في إحدى المجلات الأمريكية المحلية بعنوان "الحرب في الخليج بمثابة صدى للحرب الصليبية الخامسة"، التي جرت في الفترة من 1217– 1221 ميلادية.
ومضى الكاتب يسرد تاريخ هذه الحرب ووقائعها، ويحذر من أن هذه الحملة الخامسة على العالم العربي والإسلامي أيام صلاح الدين الأيوبي قد فشلت بسبب انفراط عقد التحالف بين الفرنسيين والإنجليز وباقي البلاد الأوروبية، وأن على التحالف الغربي القائم الآن في الخليج ضد العراق أن يستوعب هذا الدرس الذي قدمته لنا الحرب الصليبية الخامسة.
ومضى الكاتب يسرد تاريخ هذه الحرب ووقائعها، ويحذر من أن هذه الحملة الخامسة على العالم العربي والإسلامي أيام صلاح الدين الأيوبي قد فشلت بسبب انفراط عقد التحالف بين الفرنسيين والإنجليز وباقي البلاد الأوروبية، وأن على التحالف الغربي القائم الآن في الخليج ضد العراق أن يستوعب هذا الدرس الذي قدمته لنا الحرب الصليبية الخامسة.
بوش الابن.. صورة طبق الأصل
ولأن بوش الابن ينتمي لنفس المعسكر، كما يأخذ نصائحه من نفس أنصار هذا اللوبي الصهيوني المسيحي، الذي لا يعبر عن موقف غالبية الكنائس الأمريكية الكبرى، فقد عادت نفس هذه الأقوال عن الطبيعة الدينية للحرب ضد العراق تتردد على لسان هؤلاء الناصحين الدينيين لإدارة بوش الابن السابقة (القس فرانكلين جراهام الذي يزعم ان الإسلام "ديانة الشر").
فبوش- وهو بروتستانتي أنغليكاني (إنجيلي)– كان يحرص على القول خلال المناظرات الرئاسية "إن الصلاة والتدين يقويان عزمي ويمنحاني الهدوء وسط أنواء العواصف التي أشهدها في موقعي الرئاسي"، وعندما سئل عما إذا كان قد سأل أباه الرئيس الأسبق جورج بوش النصيحة قبل الحرب في العراق، أجاب الابن قائلا: "إنني أستمد العون والقوة من الأب الأعلى".
وقد حرص بوش في حملته الانتخابية على تدشين حملته الانتخابية، بإعادة استخدام مصطلح "حملة صليبية" ضد الإرهاب في خطاب لجمع التمويل، وركز حزبه على ما أسماه "قيادته حملة صليبية عالمية ضد الإرهاب".
ومع بدء حرب العراق الثانية، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا يؤكد أنه "وزعت كتيبات على آلاف من رجال مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) تحمل عنوان "واجب المسيحي"، تحتوي على أدعية وجزء يتم نزعه من الكتيب لإرساله بالبريد إلى البيت الأبيض؛ ليثبت أن الجندي الذي أرسله كان يصلي من أجل بوش!".
ويقدم الكتيب الذي وضعته جماعة تسمى "إن توتش منيستريز" صلوات يومية من أجل الرئيس الأمريكي، المعروف بأنه من "المسيحيين المتجددين"، والذي يعمد دائما إلى ذكر الله في خطاباته"، كما تقول الوكالة.
ولكنهم هذه المرة– بعد 11 سبتمبر– طعموها بتصريحات عدائية واضحة ضد المسلمين ككل ومنهم العراقيون، حتى وصل الأمر بالقس "فرانكلين غراهام" بن الداعية الإنجيلي السابق الإشارة له "بيل غراهام" للقول يوم 10 سبتمبر 2002: "ينبغي علينا الوقوف بوجه هذا الدين.. إله الإسلام ليس إلهنا والإسلام دين شرير وحقير".
وفرانكلين جراهام له شعبية واسعة في أوساط المسيحيين الأمريكيين الإنجيليين، وسبق أن قرأ الصلاة في حفل تعيين بوش الابن رئيسا للولايات المتحدة، كما سبق أن قرأ أبوه بيل جراهام الصلاة في حفل تعيين بوش الأب.
ومن المسؤولين الأمريكيين في إدارة بوش الابن الذين كانوا يؤمنون بنفس هذه المبادئ "وليم وولفيتس"، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، ووزير العدل أشكروفت.
بل إن بوش الابن نفسه سعى لخطب ود الأمريكان لضرب العراق بعبارات دينية عامة، ومنها قولة المشهور بتقسيم العالم إلى محور خير ومحور شر، على غرار ما ورد في بعض كتب الإنجيل.
أيضا كان القس (أشكروفت)، وزير العدل السابق، أكثر استخداما للعبارات الدينية، وكان له قاموس يتكلم به مليء بالمصطلحات الكنسية.
لنفس السبب يدعمون إسرائيل
ولا يشك أحد من المحللين في الدور الإسرائيلي لتشجيع ضرب العراق وإخراجه كقوة عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط من معادلة توازن القوى مع الدولة الصهيونية، وهو ما يظهر في دور اللوبي الصهيوني المعروف في أمريكا وبريطانيا.
وقد كتب المحلل الأمريكي جيرارد بيكر، في صحيفة نيويورك تايمز يوم (8/4/2002) يقول: إن هناك ثلاثة عوامل دفعت هذه الإدارة الأمريكية لتأييد إسرائيل، ذكر منها ذات العوامل السابقة حول دور الأصولية المسيحية الصهيونية، والمصالح الأمريكية في اعتبار إسرائيل خط مواجهة ضد الإسلام الذي يكره أمريكا لظلمها، وأضاف عليه عاملا ثالثا هو شبح 11 سبتمبر.
ويقول الخبير السياسي (توني سميث) في دراسة حول "الارتباطات الخارجية للسياسة الأمريكية وقوة المجموعات العرقية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية": "أن تكون صديقا لإسرائيل، أو مواليا لإسرائيل يعني على ما يبدو أمرا بسيطا جدا، هو أن إسرائيل وحدها ينبغي أن تقرر شروط علاقاتها مع جيرانها العرب، وأن على الولايات المتحدة أن تصادق على هذه الشروط مهما كانت".
وخطورة هذا التيار الديني الأمريكي تتمثل في أنه يقدم مصالح الدولة الصهيونية على أي شيء؛ اعتمادا على ما يسمونه "رؤى إنجيلية" تؤمن بضرورة مساندة اليهود للسيطرة على فلسطين، وعودة اليهود كلهم للقدس، وكذلك السيطرة على أرض بابل (العراق) في سياق النظرية الدائرية للتاريخ وفكرة "هرمجدولين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق