قالت صحيفة ريطانية "ميدل ايست أي" بأن الأزمة التى الإقتصادية التى تواجه مصر حاليا تضيق الخناق حول عنق السيسى .
وأشار المقال الذي نشرته الصحيفة للكاتب محمد منصور المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، إلى أن تراجع الأوضاع الاقتصادية حالياً وضع نظام السيسي في مأزق، إذ يخاطر بخسارة الدعم الشعبى الذى هو قليل فى الأصل إذا لم يكن قادراً على مواصلة دفع مرتبات 6 ملايين من موظفى الدولة، والذي تشكل رواتبهم 26% من إجمالي الإنفاق الحكومي.
وأضاف يُثبت اعتماد السيسي على الدائنين الأجانب وصندوق النقد الدولي، على أنه ليس الشخص الأنسب لقيادة دولة كبرى كمصر.
منذ ثلاث سنوات، منحت السعودية والإمارات والكويت، 23 مليار دولار في صورة مساعدت على مدار 18 شهراً عقب الانقلاب العسكرى على مرسى، بحسب وزير الاستثمار أشرف سلمان
على مدار أكثر من ثلاثة عقود، شهد قادة مصر جذور سقوطهم في سياساتهم الاقتصادية. عندما حاول الرئيس المصري الأسبق أنور السادات تخفيض الدعم الحكومي للسلع الأساسية عام 1977، اندلعت احتجاجات كبرى في أنحاء البلاد فيما عرف بـ"انتفاضة الخبز".
بعد ذلك بأربع سنوات، قادت سياسة الانفتاح الاقتصادي بجانب معاهدة السلام التي وقعها مع إسرائيل إلى اغتيال السادات في نهاية المطاف.
نجح خليفة السادات في الحكم -حسني مبارك- في البقاء في السلطة لما يقارب 30 عاماً من خلال تحقيق اصلاحات اقتصادية بدعم من المؤسسات المالية والغربية، مع الاحتفاظ بولاء ودعم مؤسسات الدولة بالإضافة للقطاع العام، قد فعل ذلك من خلال الحفاظ على دعم الخبز والطاقة من بين عدد من الحلول الأخرى.
ولكن في الخمس سنوات الأخيرة من حكمه، شن نجله جمال مبارك، نيابة عن والده، حملة كبرى للخصخصة شابها الكثير من الفساد والتضخم المالي وترقي رجال الأعمال الفاسدين في السلطة، وهو ما أسهم في إشعال فتيل الثورة التي اطاحت بمبارك في 2011.
السيسي ودعم الدولة العميقة
بعد ذلك، وصل السيسي للحكم بعد قيادته لانقلاب عسكري ضد الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي منذ ثلاث سنوات، ليتحول جنرال المخابرات إلى رئيس للبلاد، ليعزز بعد ذلك من قبضته على السلطة من خلال استرضاء القوى المعادية للثورة، وتحديداً الجيش والشرطة والموظفين المدنيين لضمان قاعدة اجتماعية داعمة له. وبفضل دعم الدولة العميقة -شبكات السلطة والنفوذ الواقعة خلف الحكومة الرسمية- تمكن السيسي من تنفيذ سياساته القمعية.
وبخلاف مبارك ومرسي، تمكن السيسي من ترسيخ حكمه الاستبدادي حتى الآن على الرغم من فشل حكومته في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد من خلال سجن عشرات الآلاف من الخصوم السياسيين.
كانت هذه سياسة متهورة، بالنظر إلى كون الأزمة الاقتصادية كانت المحرك الرئيسي لثورة 2011 لتنتهي في يد الجيش في نهاية المطاف عام 2013.
ولكن تراجع الأوضاع الاقتصادية حالياً وضع نظام السيسي في مأزق، إذ يخاطر بخسارة الدعم الشعبي إذا لم يكن قادراً على مواصلة دفع مرتبات 6 ملايين من موظفي الدولة، والذي تشكل رواتبهم 26% من إجمالي الانفاق الحكومي.
وفي محاولة لمعالجة نقص العملة الصعبة واستعادة الثقة في الاقتصاد، تسعى حكومة السيسي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقط الدولي. وفي حال الموافقة على الطلب، سيصبح القرض هو الأكبر من نوعه الذي تحصل عليه دولة في المنطقة التي عصفت بها الاضطرابات السيسي وتراجع أسعار النفط.
وكانت الدولة قد خفضت من قيمة العملة المحلية (الجنيه المصري) بنسبة 13% في مارس الماضي، في محاولة لسد الثغرة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، في حين يتوقع المحللون تخفيض جديد لسعر العملة يدخل حيز التنفيز بنهاية العام الجاري. وحتى الآن، لم يسهما تخفيض سعر العملة المحلية في توفير سيولة من الدولار الأميركي، أو حتى في سد الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي.
تراجع الاحتياطي النقدي وانخفاض الجنيه
تراجع الاحتياطي النقدي للدولة من 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير إلى 17.5 مليار دولار هذا العام بحسب البنك المركزي المصري. هذه الشهر، تراجع مخزون العملة الصعبة بعد رد مليار دولار لقطر كانت في صورة وديعة، ودفع 720 مليون دولار لنادي باريس للدائنين. ازداد تعقيد الأوضاع مع تراجع تحويلات المصريين في الخارج الذي ترددوا في تحويل أموالهم بسبب حالة الغموض السياسي والاقتصادي.
علاوة على ذلك، أسهم التراجع الملحوظ في حجم الصادرات والاستثمارات الأجنبية وتراجع عائدات السياحة في زيادة معدل التضخم إلى 14.6% في شهر يونيو الماضي، بالمقارنة بـ12.3% في مايو، و10.3% في أبريل، بحسب احصاءات الدولة.
تراجع أيضاً سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، أن السعر الرسمي للدولار هو ثمانية جنيهات، في حين يصل إلى 13 جنيهاً في السوق الموازي، وهو ما يعني أن الجنيه خسر 60% من قيمته منذ 2011، على الرغم من الدعم منقطع النظير من دول الخليج.
وترى حكومة السيسي أن قرض صندوق النقد الدولي بمثابة اعتراف دولي بالحكومة وتتويج للسياسات الشجاعة للسيسي المتعلقة بخفض الدعم على الطاقة والنفط، وسن مشروع قانون الخدمة المدنية، وهو قانون يهدف لإصلاح الجهاز الإداري، ناهيك عن ضريبة القيمة المضافة التي سيتم فرضها قريباً.
ومع ذلك، فقرض صندوق النقد الدولي لن يكفي وحده لإصلاح الاقتصاد المتداعي طالما استمر تجاهل الأسباب الجذرية للأزمة. وبدلاً من ذلك، سيؤدي لمزيد من الضغوط التضخمية، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل يصعب السيطرة عليه. في النهاية، سيؤثر ذلك بشكل مباشر على 25 مليون مصري –يمثلون أكثر من 27% من السكان- ممن يعيشون تحت خط الفقر.
يُثبت اعتماد السيسي على الدائنين الأجانب وصندوق النقد الدولي على أنه ليس الشخص الأنسب لقيادة دولة كبرى كمصر. منذ ثلاث سنوات، منحت السعودية والإمارات والكويت، 23 مليار دولار في صورة مساعدت على مدار 18 شهراً عقب الإنقلاب العسكري على مرسي، بحسب وزير الاستثمار أشرف سلمان.
أين ذهبت مليارات الخليج؟
تعد هذه المبالغ هي ضعف ما يتجه السيسي لاقتراضه حالياً من صندوق النقد الدولي، إلا أنه بعد مرور ثلاث سنوات، لم يحقق الوضع المالي للبلاد سوى المزيد من التراجع، وهو ما يثير التساؤلات حول شفافية الحكومة وقدرتها على التحكم في الانفاق إذا مُنِحت قرض صندوق النقد الدولي. السؤال هنا هو: أين ذهبت الـ23 مليار التي تلقاها السيسي من دول الخليج؟
أحد أدلة فشل السيسي أيضاً كان مشروع قناة السويس الجديدة. في حفل الافتتاح، استعرض ما قام به في صورة تشبه جمال عبد الناصر، الأب الروحي للمشروعات الضخمة في الدولة، ووعد المصريين بعائدات خياليه على مشروعه الذي تبلغ قيمته 8.2 مليار دولار، والذي أصر على انهائه خلال سنة واحدة بدلاً من ثلاث سنوات. القرار المتسرع لانجاز المشروع رفع من سقف الميزانية، وأضاف عبئاً غير ضروري على الحكومة.
لم يكتفي السيسي فقط بتبديد الأموال بلا فائدة لإرضاء غروره وتشبيه نفسه بعبد الناصر، بل طلب من المصريين أيضاً المساهمة في المشروع من خلال شهادات استثمار ذات فائدة، وهو ما وجده ملايين المصريين أكثر ربحاً لهم، خاصة مع تعهد الحكومة بأن تبلغ نسبة الفائدة 12%. في البداية، زعمت حكومة السيسي أن المشروع سيضاعف عائدات مصر لتصل إلى 13.2 مليار دولار في 2023. ومع ذلك، فتراجع أسعار النفط وحركة التجارة العالمية أدى في نهاية المطاف لأن تحقق قناة السويس 5.2 مليار دولار من العائدات في 2015 –العام الاول للقناة- بالمقارنة بـ5.5 مليار دولار في العام الذي سبق المشروع.
ولهذا السبب، يعد العامل الرئيسي للأزمة الاقتصادية هو سوء إدارة السيسي، وسياساته الراعية للفساد، والنهج ضيق الأفق في معالجة القضايا السياسية والأمنية.
الإطاحة بجنينة
ولاسترضاء صندوق النقد الدولي والجهات الدولية المانحة الأخرى، يسعى السيسي لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة. وأقر البرلمان المصري مؤخراً قانوناً مثير للجدل وهو قانون الخدمة المدنية، والذي يهدف إلى العبء المالي لإدارة الدولة من خلال زيادة التقاعد المبكر والاستقالات، ومزيد من التقييد على الأجازات والتغيب عن العمل. وبالرغم من أن الاصلاح مطلوب، يستمر السيسي في تجاهل الفساد المنظم المستمر في هذا القطاع على مدار عقود، بل ويقوم بحمايته. وبدون القضاء على جذور ذلك الفساد، يظل تحقيق أية اصلاحات هو أمر مستحيل.
كان هذا واضحاً عندما قام السيسي –بما يخالف الدستور- بالإطاحة برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة في مارس الماضي بعدما تحدث عن فساد المسئولين في تصريحات غاضبة لوسائل الإعلام المحلية. وزعم جنينة أن مصر خسرت ما لا يقل عن 600 مليون جنيه (76 مليار دولار) في الفترة بين 2012 إلى 2015 نتيجة للفساد الحكومي، وخاصة الصفقات الفاسدة لبيع أراضي الدولة.
وبدلاً من النظر في تقرير جنينة ومعالجة الفساد، شنّ السيسي حملة ضد جنينة تضمنت تشويه سمعة أسرته، والحكم عليه بالسجن لمدة عام بتهمة "نشر أخبار كاذبة تضر بمؤسسات الدولة وتهدد السلم العام". إقالة رئيس الدولة لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات –في واقعة غير مسبوقة- تظهر المعسكر الذي ينتمي له السيسي.
تطبيق قانون الخدمة المدنية بحجة إصلاح الجهاز الإداري للدولة يتناقض مع سياسة السيسي المتردية في التعامل مع فساد الدولة. هذه الازدواجية تضر بالاقتصاد المصري، لأن قرض صندوق النقد الدولي لن يكفي وحده لإصلاح الاقتصاد، بالنظر إلى القروض التي حصل عليها من الخليج منذ ثلاثة أعوام والتي لم تحدث أي تغيير، بالرغم من أنها كانت أكبر وذات شروط أقل. والأسوأ من ذلك أن القانون سيؤدي إلى موجة غضب لا يمكن وقفها من القطاع الذي يظل يدعم السيسي حتى الآن.
خيارات محدودة
تعتبر خيارات السيسي لإحكام قبضته على السلطة محدودة، فيمكنه اتباع الطريقة التقليدية في إبقاء الوضع الحالي كما هو، وخدمة المصلحة الاقتصادية لكل من الجيش والشرطة وموظفي الحكومة. في هذه الحالة، سيحظى السيسي بدعم القطاع الإداري والأجهزة الأمنية التي قد تطيل من عمر نظامه، لكنها ستُحدِث تدهوراً اجتماعياً واقتصادياً مما سيأتي بنتائج عكسية على نظامه على المدى البعيد.
الخيار الآخر هو إظهار الولاء لصندوق النقد الدولي والالتزام بشروطه التي تتطلب إصلاح بيروقراطية الطولة، وخفض إنفاق الحكومة، وخفض الدعم، وزيادة الضرائب، إلى جانب اتخاذ تدابير تقشفية صارمة. قد يساعد ذلك في إنقاذ الاقتصاد على المدى الطويل، إلا أنه سيتسبب في فقدان السيسي قاعدة شعبية أساسية داعمة له من القطاع العام. إضافة إلى ذلك، ستتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى ثورة ضد نظام السيسي. أي أن النظام سيواجه، في كلتا الحالتين، عقبات للحفاظ على حكمه الاستبدادي.
لكي يتفادى السيسي مصير من سبقوه في الحكم، عليه إجراء إصلاحات اقتصادية على وجه السرعة، تخدم الشعب بدلاً من خدمة فئات بعينها أو خدمة الجهات الدولية المانحة، أي عليه محاربة الفساد باختصار. ليضمن السيسي أن الإصلاح الاقتصادي -الذي يتطلب تدابير تقشفية وإصلاح بيروقراطية الدولة- لن ياتي بنتائج عكسية على حكومته، عليه بناء قاعدة شعبية داعمة له ليمتص غضب الشعب، وإلا فإنه سيواجه مصير مبارك أو السادات. تتطلب هذه الخطوة تحقيق الاستقرار، من خلال توفير حرية سياسية، وخلق مناخ من التسامح والحرية بشكل عام، بدلاً من الحكم الاستبدادي.
***