أمريكا زرعت القنبلة النووية السنية الشيعية لتدمير المنطقة
منذ يوم
عدد القراءات: 3692
كتب:حسين أبو الدهب
النزاع السني- الشيعي هو القنبلة النووية التي تفجر المنطقة وستظل تفجرها بتداعيات متواصلة والمقصود بالمنطقة هو ما يطلق عليه الغرب "الشرق الأوسط" وهي في الواقع قلب الوطن العربي والاسلامي، وقلب العالم. وهي بالتحديد منطقة الوطن العربي الآسيوي ومصر وإن كان الغرب يمدها أحيانا حتى باكستان.
وباعتبار أن أمريكا تسيدت العالم وحدها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لفترة محدودة (لمدة عشرين عاماً أو أقل منذ 1992) فقد رأت أن تفجير المنطقة لإعادة الاستيلاء عليها يجب أن يستند إلى أكبر فارق طبيعي موجود فيها وهو (الشيعة- السنة). ورغم أن أمريكا احتلت العراق بعد أفغانستان إلا أنها منذ اللحظة الأولى سعت إلى تقسيم العراق وإذكاء الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة أما الأكراد فقد كانت أمريكا واسرائيل ترعيان انفصال شمال العراق الكردي السني تدريجيا عن العراق منذ زمن طويل، وكانت الخطة أن يبقى العراق موحداً شكلاً ترتبط أقاليمه الثلاثة برباط واه، وحتى إذا تمزق العراق إلى 3 دويلات كاملة الانفصال فلا مانع، ليست مشكلة كبيرة ولكن لتحدث في الوقت الملائم، فقد يكون انفصال الجنوب العراقي ذو الأغلبية السنية دعماً لايران مع إمكانية الوحدة، وقد يكون الانفصال الكردي الرسمي مزعجاً لتركيا، وهذا هو المقصود بالوقت المناسب ولكن الانفصال الواقعي لابد أن يحدث.
ونتوقف عند العراق لأنه كان المختبر والبؤرة الأساسية لتفجير القنبلة السنية- الشيعية. وهو ما لم يحدث حتى ذلك الوقت في لبنان أو سوريا أو البحرين (أما مصر فهي غير مرشحة للضآلة الشديدة لعدد الشيعة وحداثتهم). نقصد قبل 2003 عام احتلال العراق.
قبل غزو العراق كانت بقية الجبهات ساكنة، في لبنان المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي منعت حدوث أزمة طائفية.(1982- 2000) سوريا كانت ساكنة وكان النظام يكتسب شرعيته من خلال دعمه لهذه المقاومة والذي وصل إلى قمته في حرب 2006.
كانت الجبهة السورية ساكنة بعد مرور أزمة الصدام مع حماة (1980) في عهد حافظ الأسد، وكان يرى أنه قمع تمرد مسلح ضد الدولة قاده الاخوان المسلمون، واختفى الاخوان عن الساحة السورية نتيجة هذا القمع ولكن بعد مجيئ بشار الأسد كانت الساحة مفتوحة للسنة في انشاء أجمل المساجد والجمعيات الخيرية الاسلامية ومختلف الأنشطة الاجتماعية البعيدة عن السياسة وكانت مظاهر الصحوة الاسلامية تغزو ربوع الشام وتظهر في الاقبال الشديد على المساجد وحلقات القرآن، وانتشار الحجاب بين النساء، وعموما هذه مظاهر غمرت الوطن العربي والعالم الاسلامي من أواخر التسعينيات من القرن العشرين حتى الآن.
والبحرين كنت ساكنة حيث يغلب على العمل الشعبي الهيئات والمنظمات الشيعية حيث يمثل الشيعة 60% من السكان، وكانت اللعبة الديمقراطية هي الحاكمة في البحرين كما في باقي الدول العربية التي تدعي الديمقراطية وهي: من حقك أن تتحدث ومن حق الحاكم أن يحكم كما يريد. على أن يكون واضحاً أن الحديث لا يجوز أن يتناول الذات العليا للحاكم.
هكذا كان الوضع في هذه البلدان حتى عام 2011 عام الثورات العربية.
العراق كان مهيئاً- من وجهة نظر أمريكا- للتفجير النووي الطائفي لأسباب عدة..
(1) في عام 2001 العراق كان الحلقة الأضعف في سلسلة الرفض العربي.. فلبنان (المقاومة) وسوريا وايران ضمن تحالف الشر المستهدف ولكنهم متحالفون بشكل وثيق ومعهم المقاومة الفلسطينية وأي ضربة حاسمة لأي طرف تستدعي تضامن الآخرين.
(2) العراق معزول عربيا وعالميا ولا يجرؤ أي حاكم عربي أن يزور بغداد ولا يزال خاضعاً للحصار والتفتيش الدولي. وإن كانت سوريا تتعاون معه اقتصاديا وتجاريا تحت بند التهريب، وكذلك ايران بحكم الجوار الجغرافي والمصالح المتبادلة.
(3) العراق يحتوي على ثاني أكبر خزان نفطي بعد السعودية، بل ربما يكون الأول في بعض التقديرات، وهذا في حد ذاته كنز ثمين.
(4) ضرب العراق يفكك أكبر دولة وأكبر جيش في المشرق العربي وهذه أكبر خدمة للأمن الاسرائيلي.
(5) ضرب العراق سيؤمن استكمال وانجاح مشروع الدولة الكردية الموالية لأمريكا واسرائيل. مع وجود انقسام عددي بين السنة والشيعة.
(6) احتلال العراق يحاصر كلا من ايران وسوريا والدور عليهما وفقاً للخطة المرسومة في عهد بوش الصغير.
وكان التقدير الخاطئ الجوهري- من وجهة نظر المصالح الأمريكية- يكمن في أن اسقاط نظام صدام حسين يعني تقوية كبرى لايران في المنطقة فالعراق هو القوة الكبيرة المجاورة والوازنة لايران وكان ضرب أحدهما بالآخر هو السياسة الصحيحة لأمريكا.
إسقاط نظام صدام حسين يعني أن يصبح شيعة العراق هم القوة السياسية الأولى وهؤلاء تربطهم وشائج عقائدية وسياسية مع ايران بل ان قياداتهم وكتلة أساسية من كوادرهم كانت تعيش في ايران بالفعل!!
وهكذا كان إسقاط نظام حسين يعني تقديم العراق على طبق من فضة لايران. ومع ذلك فإن ايران تعاملت بحذر شديد ومكر أشد، وتركت الأمريكان يتصورون أنهم ابتلعوا العراق كما يقول محلل ايراني: لقد استخدمنا في سياستنا في العراق أسلوب صناعة السجاد المعتمد الذي تشتهر به ايران. ولكن لنؤجل هذا الحديث الآن.
كان هذذا هو الخطأ الجوهري في غزو العراق وإسقاط نظام صدام عام 2003 (من وجهة نظر المصالح الأمريكية) ولكن خطتهم لم تكن فاشلة على الاطلاق لأنها تضمنت مسألة تقسيم العراق أي إضعافه، وهذا ما نجحوا فيه، وهذا ما يشغلنا في هذه النقطة من البحث.
كان التقسيم نقطة واضحة وأساسية في خطة الغزو وهو مراهنة على البعيد على أساس ضمان أو عدم أفضلية ديمومة الاحتلال الأمريكي المباشر ( ولم يكن الأمريكان يتصورون أنهم سيضطرون إلى الرحيل بهذه السرعة!!).
وهم لم ينجحوا إلا في تقسيم العراق وتدميره كما يظهر الآن بوضوح بعد 14 سنة (2003-2017)
تدمير العراق كبنية أساسية واقتصادية تم بسهولة إجرامية من خلال عمليات القصف التي سبقت ورافقت الاحتلال، ثم مع الاصرار على ترك البنية الاقتصادية تتدهور كليا وعلى رأس ذلك (المصانع) حتى يعتمد العراق على الاستيراد في كل شيئ من الخارج بعد أن كان يصنع معظم احتاجاته.
ولكن تدمير البنية الاجتماعية والسسياسية كان هو الأخطر وكان تفجير النزاع السني والشيعي في المقدمة فقاموا بالتالي:
(1) تفكيك البنية التنظيمية لمؤسسات الدولة وتسريح الجيش أدى تلقائيا إلى تفكيك البنية السنية التي كان يعتمد عليها نظام صدام حسين. حقا ان النظام البعثي العلماني كان مفتوحاً للشيعة كما للسنة، وكان الطرفان علمانيين. ولكن ظل أهل الثقة من السنة في المواقع الحساسة، ومعظمهم من ما يسمى الآن المثلث السني (4 محافظات) بالاضافة لبغداد.
(2) تم بناء الدولة العراقية من أول وجديد تحت اشراف القوى الشيعية بما في ذلك الجيش والشرطة، وهنا بدأ منذ اللحظة الأولى تهميش السنة.
(3) قام الأمريكان بصياغة الدستور العراقي الحالي الذي كرس المحاصصة الطائفية: الرئيس كردي- رئيس الوزراء شيعي- رئيس البرلمان سني وكان الخبير الأمريكي الذي صاغ مشروع الدستور شاباً أمريكيا يهودياً!!
وقد أدت هذه التطورات إلى التالي:
(1) ان الانتخابات الحرة أو شبه الحرة في بلد يمثل فيه الشيعة 60% والسنة 40% نصفهم أكراد فلابد أن يحصل الشيعة على الأغلبية في البرلمان ولابد أن يشكلوا الحكومة والسنة العرب يضعفون جدا فهم في الواقع 20% في ظل اشتغال الأكراد في مشروعهم الخاص.
(2) ان تشكيل الجيش والشرطة وكافة مؤسسات وأجهزة الأمن في ظل السيطرة الشيعية مع استمرار وجود القوات الأمريكية ، أدى إلى تورط الجيش العراقي ذي القيادة والطابع الشيعي في العمل مع القوات الأمريكية ضد المقاومة التي غلب عليها في البداية الطابع السني إلى نسبة تقترب من 100%. وقد ساعد هذا على اتخاذ المقاومة قراراً بمحاربة الجيش والشرطة العراقيين مع الأمريكيين. وكانت هذه بداية الفتنة وكان هذا هو الخطأ الجوهري لشيعة العراق.
في وقت كان شيعة لبنان وايران لا يسمحون بوجود عسكري أجنبي واحد على أراضيهم. بل لطالما أسرت ايران قوت بحرية بريطانية أو أمريكية لمجرد دخولها المياه الاقليمية.
صحيح أن القوى الشيعية الحاكمة في العراق كانت تتفاهم مع ايران على أن الوجود الأمريكي مؤقت وأن الذي سيبقى هو النظام الشيعي العراقي المتحالف مع ايران.
وكان يسيطر على ايران- كما صرح بذلك مسئولون عراقيون- الخطر على الأمن القومي الذي مثله العراق، وكان ضمان وجود نظام صديق في العراق أولوية قصوى لايران أكثر من الصدام المباشر مع أمريكا في العراق.
ايران لا تنسى ماذا فعل بها نظام صدام حسين، فنحن أمام مليون ضحية بين قتيل وجريح على الأقل، وتدمير ما لا يقل عن ألف قرية (لتقريب المسألة فإن مصر كان لديها في ذلك الوقت 4 آلاف قرية) وتدمير ميناء خورا مشهر بالكامل. بالاضافة للخسائر الاقتصادية الجسيمة لحرب استمرت 8 سنوات. والحقائق التاريخية التي لا خلاف حولها ان العراق هو من بدأ بشن الحرب على ايران عام 1980 خوفا من امتداد رياح الثورة "الشيعية" إلى جنوب العراق. سنعود لتلك الحرب ولكن الآن .. كان هذا التاريخ القريب المرير في خلفية تحديد السياسة الايرانية تجاه العراق. وايران هي الأدرى بأمنها القومي، ولكن كان هناك خسائر لا يمكن تجنبها باتخاذ هذا الخيار: (مرحلة التعاون بين شيعة العراق وقوات الاحتلال). فقد خدش هذا الموقف صورة ايران الصامدة أمام الشيطان الأكبر ودعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية بلا حدود تجاه اسرائيل. وأصبح بالامكان لأي مسلم أن يقول: ها هم الشيعة في خندق واحد مع الاحتلال الأمريكي للعراق.
معلومات أساسية للتاريخ:
من أجل إطفاء لهيب الفتنة السنية- الشيعية لابد من ذكر الحقائق دائما (مع وضد أي طرف) لأن الفتن تنتشر بالأكاذيب وأنصاف الحقائق والشائعات، خاصة في ظل منظومة اعلامية بالمليارات بقيادة أمريكا والسعودية وباقي دول الخليج.
(1) مع اندلاع معارك غزو العراق 2003 وقفت ايران على الحياد الكامل، ولكن السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني أصدر مع مجموعة من الأحزاب العربية (اسلامية سنية- وقومية يسارية) بيانا يدعو للتضامن الكامل مع العراق في ظل حكم صدام حسين. وقد أصدرت بعض القوى الشيعية العراقية بيانا مضاداً كفرت فيه حسن نصر الله!! وكان هذا الموقف الذي ضاع في غياهب التاريخ وأحداث الحرب، مع السقوط السريع لنظام صدام حسين، كان هذا الموقف معبرا عن أن ساسة الشيعة ليسوا من قماشة واحدة أو طبيعة واحدة.
(2) بعد فترة ما من الاحتلال حدث تطوران: الأول: أن الشيعة كانوا يبيعون السلاح لبعض فصائل المقاومة للاحتلال الأمريكي وقد فُسر هذا الأسلوب (البيع) على أساس أن يظهر الأمر وكأنه تجارة من بعض الأشخاص وليس سياسة في حال اكتشاف الأمريكان لذلك.
ولكن الأهم من ذلك ظهور جماعات مقاومة شيعية تقوم بعمليات ضد القوات الأمريكية في بغداد وفي الجنوب ضد القوات البريطانية (أشهرها عصائب الحق) وكانت تطالب القوات الأجنبية بالانسحاب وغطت حركة مقتدى الصدر سياسيا هذا التحرك وقد أدت كثافة العمليات في الجنوب إلى اسراع القوات البريطانية بالانسحاب.
وأكدت بيانات أمريكية إن أنواعاً معينة للمتفجرات التي تدمر المدرعات لا يتم تصنيعها إلا في ايران.
ولقد تناغمت المقاومة الشيعية التي جاءت متأخرة مع المقاومة السنية الشديدة في وسط العراق وأدت إلى اسراع الأمريكيين بالانسحاب، مع الاتفاق على بقاء بضع مئات أو آلاف من القوات الأمريكية للتدريب مع بعض القواعد والمطارات بالاضافة لاتفاقات لتوريد سلاح لمواصلة ربط الجيش العراقي بأمريكا. وهذا ما أوصلنا للموقف الراهن وتوسع التدخل الأمريكي في حرب داعش.
****************
كما ذكرنا فان قتال الجيش العراقي مع الأمريكان ضد المقاومة السنية كان خطأ مبينا، وكان الحجر الأول في إشعال الفتنة المذهبية. وكان آية الله الحسني (وهو عراقي) يصرح بأنه لابد من تأييد أي عملية يقوم بها الزرقاوي ضد الأمريكان، وإدانة أي عملية ضد المدنيين الشيعة. ولكن لم يسمعه إلا قليل.
(كيف تطورت الفتنة المذهبية في العراق ودور أمريكا في إذكائها)؟! (يتبع)
كن أول من يعلق